إذا كانت هنالك فئة أو شريحة تحظى بمكانة متميزة ضمن اهتمامات الدولة التونسية على مستوى الرهان على رفع تحديات المستقبل فهي الشباب. ذلك أن السلطة تفرد الشباب التونسي بعناية ورعاية خاصتين، فكان دوما في قلب سياساتها ومحورا أساسيا ومشغلا رئيسيا من مشاغل العمل الحكومي.
وفي تأكيد لهذا المنحى، يوجه القسط الأهم من التحويلات الاجتماعية، التي تمثل سنويا حوالي 50 بالمائة من ميزانية الدولة، لفائدة الشباب، في قطاعات التربية والتكوين والتشغيل والتكنولوجيات الحديثة للاتصال والرياضة والصحة. كما أن هذه الشريحة من المجتمع تستفيد مباشرة أو بصورة غير مباشرة بقسط يناهز 80 بالمائة من برامج التنمية في تونس.
ومافتئ الرئيس بن علي يعمل على توفير أرضية فكرية وسياسية ليتبوأ الشباب موقعا استراتيجيا ويرتقي إلى مرتبة الأولوية، من خلال إيجاد الوسائل المستحدثة لتعزيز دوره في المجتمع، وتجنيبه حالات التهميش والإقصاء، بل والانتقال به إلى موقع المشاركة وتحقيق الذات ضمن مقاربة التنمية الشاملة. وفي هذا السياق، تعزز موقع قطاع الشباب في المنوال التنموي الوطني وارتقى إلى مصاف القطاعات الاستراتيجية وإلى مرتبة الرهان الحضاري الشامل الذي تتضافر جهود مختلف الهياكل العمومية والجمعياتية لرفعه. وتميزت هذه المقاربة بالشمول والواقعية، فضلا عن الطموح والجرأة، وهي سمات تجلت في مختلف أوجه تفاعل المجموعة الوطنية مع الشأن الشبابي وجسمتها المخططات والبرامج المنجزة في مختلف القطاعات.
إن تونس تتعامل مع شبابها كفئة مسؤولة قادرة على المشاركة في مسيرة البناء والتحديث، وهو ما أضفى أبعادا حضارية عميقة على موقع الشباب في حركة المجتمع، سواء المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وحرصت من هذا المنطلق، على تهيئة الأرضية الملائمة حتى يكرس الشباب اهتمامه بالشأن العام، وينخرط في أنشطته ويجسم في تفكيره وسلوكه قيم التطوع والحوار والإضافة التي تربّى عليا في الأسرة والمدرسة والمجتمع.
وحرصت القيادة التونسية، في إطار تجسيم خيارها الاستراتيجي في مجال الإحاطة بالشباب، على تشريك المجموعة الدولية في تعزيز هذا التوجه وإثرائه، وذلك من خلال دعوة الرئيـس بن علي إلى وضع سنة 2010 تحت شعار «السنة الدولية للشباب»، واقتراحه بأن يعقد خلالها مؤتمر عالمي للشباب بإشراف منظمة الأمم المتحدة وبالتعاون مع المنظمات الدولية المعنية، يحضره الشباب من كل أنحاء العالم، ويشفع بإصدار ميثاق دولي، يكون هو الرابطة التي تشد شباب العالم إلى القيم الكونية المشتركة، ويعبّرون فيه عن آمالهم في رفع تحديات التنمية المستديمة وعن تطلعاتهم وتوقهم إلى استشراف مستقبل أفضل. وقد حظيت هذه المبادرة بدورها بمصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع وذلك يوم 18 ديسمبر 2009.
ويلحظ المتابعون للشأن التونسي المكانة المتميزة التي يحظى بها شباب تونس ضمن سائر الهياكل والمؤسسات الاستشارية الوطنية التي تعنى بشتى أوجه التنمية على غرار المجالس العليا القطاعية التي يحظى الشباب في نطاقها بالتمثيل ولاسيما منها المجلس الأعلى للشباب، والمجلس الأعلى للرياضة، لتكون مشاغله وتطلعاته حاضرة ضمن التوجهات والتوصيات التي تصدر عنها، والتي تشكل الأساس الذي تنبني عليه البرامج والمشاريع التنموية التي تسهر الحكومة على إعدادها وتنفيذها. كما حظي الشباب بإجراءات وتدابير تهدف إلى تعزيز مشاركته في اتخاذ القرار وتنمية روح المسؤولية لديه وإدماجه في الحياة العامة، ومنها القرار القاضي بالتخفيض في سن الترشح لعضوية مجلس النواب والمجالس البلدية إلى 23 سنة وفي سن الانتخاب من 20 إلى 18 سنة.
ودعما لمزيد تشريك الشباب التونسي في الحياة السياسية، أقرت النقطة الخامسة من البرنامج الرئاسي الانتخابي 2009 ـ 2014 «معا لرفع التحديات» إحداث «برلمان للشباب» يكون هيئة استشارية ليس لها اختصاص تشريعي، تهدف بالخصوص إلى تعميق الوعي بالانتماء إلى الوطن لدى الشباب، وإعدادهم للمشاركة السياسية، وتطوير قدراتهم واهتمامهم بالشأن العام، وتدريبهم على التفكير الجماعي وتنمية الشعور بأن الحريات والحقوق تمارس في نطاق احترام القانون والقيم الدستورية.
إن برلمان الشباب يمثل فضاء لإعداد الشباب للمشاركة السياسية وتطوير قدراتهم واهتماماتهم بالشأن العام، من خلال تناول القضايا المجتمعية الراهنة والمستقبلية، وتدريبهم على التفكير الجماعي والحوار من خلال محاكاة العمل البرلماني. وستكون الجلسة الافتتاحية لهذا البرلمان يوم 25 جويلية الجاري تزامنا مع الاحتفال بعيد الجمهورية، وهو تزامن الهدف منه مزيد ترسيخ قيم الجمهورية في نفوس الشباب ليحافظوا على مكاسب البلاد ويعزّزوها.